كان الأديغه كغيرهم من شعوب المعمورة يملكون أماكن مقدسة يقيمون بالقرب منها طقوسهم المختلفة. من أكثر هذه الأماكن المقدسة كانت بعض الأنهار والغابات والأشجار العتيقة والينابيع وقبور الأبطال الشعبيين. من أجل إقامة وتنظيم الطقوس الدينية كان يتم اختيار أشخاص لهم سمعة طيبة أو هم أحفاد لأشخاص قديسين حسب معتقدات الأديغه القدماء. المعلومات المتوفرة اليوم عن الأماكن المقدسة لدى الأديغه هي من مؤلفات عدد كبير من الباحثين والرحالة من بينهم جان دي لوكا الذي زار القفقاس في عام 1637 وكذلك لونغفارد الذي زار المنطقة في العام 1840. ويطلق الأديغه على الأماكن المقدسة لديهم اسم "تحه تشغ" نشوء هذا التعبير ارتبط بالدرجة الأولى بنشاط "شبله" وبإيديولوجية الدين الجديد. فحسب الروايات كان للبرق تأثيرا كبيرا على نفسية الناس وكذلك الأماكن التي قتل فيها أشخاص بضربة برق والأماكن التي قتل فيها أبطال دفاعا عن الشعب الذي يملك القدسية في فلسفة الأديغه. وكانت الطقوس المقامة في هذه الأماكن مختلفة بإختلاف الحدث, و تقام الطقوس أملا في هطول المطر أو الشفاء من الأمراض أو إنقاذ الموسم الزراعي أو إبعاد الأعداء عن الوطن. سنقدم عرضا لأهم الأماكن المقدسة لدى الأديغه وقصصها. إذا كان "شبله" مقدسا لدى عموم الأديغه فإن نهر "لابه" كان مقدسا لدى قبيلة "التيمرغواي". اليجرقواي والماخوش والأدامي والحتقواي الذي يعدون فروعا من التمرغواي "الجمكوي" كان أيضا يقدسون "لابه". التفسير الشعبي لتسمية هذا المكان والذي تلتقي فيه ثلاثة أنهار صغيرة هي لابه ولابينكا وخودز مرتبط بخصوصيات المكان الطبيعية. لكثرة نقاء المياه يمكن للإنسان أن يرى سمك الفاريل وهو يسبح في الماء. وعند الصباح الباكر يتحول لون الماء إلى فيروزي والذي يشبهه الأديغه بلون عيون القطط البرية. الأديغه كانوا يطلقون على هذه المنطقة اسم "عين القط". سالبي تشيرجن ذو الخامسة والتسعين من قرية خودز كتب في مذكراته عن هذا المكان والذي يحمل اسم عين القط أن القطط أيضا خلقها الله, وهي تحمي محاصيلنا من القوارض. ويربط اهتمام الأديغه بهذا المكان لأسباب متعلقة بمحاصيلهم التي يعتبرونها هبة إلهية. كانت تقام الطقوس في الخريف قبل بدء موسم الصيد وكان يرمز إلى إطعام القطط البرية وسمك الفريل من أضاحي اللحوم. كان اللحم يقطع إلى قطع صغيرة و يرمى في النهر في الأماكن الضحلة. العظام وبقايا اللحم كانت تقطع وترمى في الغابة الصغيرة كهدية للقطط البرية. بعد ذلك وعلى شرف النهر المقدس "لابه" يقوم الناس بإشعال النار والرقص حولها وكانوا يرددون الأغاني: "وه شبله, وه يرتقو, وه دجور" داعين من أجل صيد موفق وموسم جيد. تلال سيت (سيت كورغان) على بعد ثلاثة كيلمترات جنوب قرية يجرقواي في جمهورية الأديغي تقع ثلاثة تلال صغيرة المعروفة باسم كورغان, وهي ثقافة دفن الموتى لدى الشعوب القديمة ومنهم الأديغه. ثلاثة تلال بجانب بعضها نسجت حولها قصص كثيرة أشهرها سنرويها لكم الآن. عاشوا على ضفان نهري "لابه" و "بشزه" أو الكوبان. من بين النارتيين اشتهر ثلاثة أخوة من عائلة سيت. كان اسم الأخ الأكبر باطال والأوسط كان اسمه يبرائيل والأصغر حاليل. وكان للأخوة أخت تصغرهم سنا وكان اسمها دَنَكوتش كان الأخوة الثلاثة مهرة في الحدادة وتصنيع المعادن والصياغة وصناعة معدات الزراعة والأسلحة. لقد علّم هؤلاء الأخوة النارتيين الزراعة والبناء. وكانوا من أوائل المقدامين في الدفاع عن أرض النارتيين من الأعداء. وكان الشعب يحبهم لخصالهم هذه. كان الأخوة الثلاثة يكنون حبا عظيما لأختهم الصغيرة. ولإسعادها صنعوا لها عربة من الذهب وجعلوا أحد "الينيج" يقودها بدلا من الحصان. وفي كل رحلاتهم كان الأخوة يتنقلون بهذه العربة الذهبية وبرفقة أختهم الصغيرة المدللة. ومن ناحيتها كانت الأخت الصغيرة تقدر أخوتها الكبار وتهتم بهم وهي الفتاة المشهورة بأدبها وجمالها في كل بلاد النارتيين وخارجها. في يوم من الأيام هاجم الأعداء أرض النارتيين من الشمال الشرقي بهدف احتلال الأرض وخطف دَنَكوتش وعربتها الذهبية. علم الأخوة باقتراب الأعداء من حدود أرض النارتيين خلف نهر بشزه. وخلال ليلة واحدة اجتمعت كل قبائل الأديغه للوقوف بوجه العدو القادم من الشمال. الأخ الأكبر من عائلة سيت باطال ترأس قيادة الجيش وأصبح أخواه مساعدين له. دَنَكوتش التي اعتادت مرافقة أخوتها أرادت مشاركتهم القتال على الرغم من معارضتهم. وبالسر جمعت دَنَكوتش حاجياتها من الطعام والسلاح وغادرت للحاق بجيش النارتيين على عربتها الذهبية. عندما رأى الأخوة أختهم دَنَكوتش لم يعارضوها وتركوها تتبعهم. في هذا الوقت كان العدو بين نهري لابا وبشزه. وعندما لاحظ العدو جيش النارتيين الكبير انقسم إلى قسمين. القسم الأكبر هاجم النارتيين من المقدمة, والقسم الآخر أغار على دَنَكوتش وقبض عليها وعلى عربتها وحاول الفرار بهما. عندما علم باطال بالأمر أعطى أوامره لأخويه لملاحقة السارقين وانقاذ دَنَكوتش. وكالبرق استعاد الأخان اختهما الصغرى واستطاعا وحدهما القضاء على القسم الثاني من جيش الأعداء. ولكن باطال قتل على يد الأعداء في معركة غير متوازنة. وسارع الأخان للثائر لأخيهما الكبير وقتلا هما أيضا في معركة غير متساوية. عندما رأت دَنَكوتش ماحل بإخوتها لبست لباس الرجال وامتطت حصان باطال ودخلت المعركة لتقود جيش النارتيين. بحلول المساء طُرد العدو من بلاد النارتيين. لكن في آخر مواجهة قتلت دَنَكوتش. وعندما علم قائد جيش الأعداء بأن قائد جيش النارتيين الشجاع إمرأة, انتحر. رفع النارتيون جثة دَنَكوتش ونقلوها إلى مكان وقوف العربة الذهبية. أما جثث الأخوة الثلاثة فنقلت إلى مقبرة الأبطال النارتيين واحدة تلو الأخرة بصمت. بحلول الظلام قرر النارتيون البقاء في مكانهم حتى الصباح وبعدها يقرروا موعد الدفن. فجأة شاهد الناس كيف هبطت من السماء ثلاث كرات نارية كل واحدة حجمها بحجم رأس إنسان. حامت الكرات فوق جثث الأخوة الثلاثة وعند الصباح تدلت الكرات بالهواء قرب بعضها البعض على ارتفاع عدة أمتار عن الأرض. عندها قرر النارتيون أن هذه الكرات النارية هي عيون الملائكة التي حدد مكان دفن الأخوة الثلاثة واعتبارهم قديسين وأنها حددت لهم ارتفاع الكورغان أو التلة فوق القبر. وقررالناس دفن الأخوة في نفس المكان. وقاموا بدفنهم قبل غروب الشمس وبعدها اختفت الكرات النارية. بعدها بقليل شاهد الناس كرة نارية رابعة فوق نبع مكان وقوف العربة الذهبية وفيها جثة الأخت الصغيرة. وقام النارتيون بدفنها مع العربة قرب النبع. ومنذ ذلك الوقت تحولت التلال الثلاثة والنبع إلى مكان مقدس لدى التيمرغوي يؤدون عندها طقوسهم الدينية, قسم منهم يزور هذه الأماكن حتى الآن بهدف التبارك ومن أجل هطول المطر وإبعاد الأمراض. أما النبع حيث ترقد دَنَكوتش فأطلق عليه الأديغه اسم بله شبسنه هذا النبع موجود حتى اليوم جنوب قرية بليشه بسنه في جمهورية الأديغي. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق